• الساعة الآن 03:36 PM
  • 22℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

ماذا يعني الاعتراف الدولي بفلسطين؟

news-details

توالت الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية منذ مطلع الأسبوع الجاري، في قرارات تاريخية جاءت رداً على مواصلة حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، الحرب المدمرة في قطاع غزة.

ومع انطلاق موجة من الاعترافات الدولية خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي بدأت أعمالها السنوية أمس الإثنين، بلغ عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين أكثر من ثلاثة أرباع الأعضاء البالغ عددهم 193 دولة. ومع ذلك تظل قوى كبرى على رأسها الولايات المتحدة ترفض الاعتراف بفلسطين باعتباره "مكافأة لحماس"، بحسب وصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وعلى رغم أن الاتحاد الأوروبي داعم قوي لـ"حل الدولتين"، فإن الموقف حيال قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس موحداً، فنحو نصف الدول الأعضاء فقط تعترف بدولة فلسطين، بينما لا يعترف الاتحاد الأوروبي ككيان بها، كما أن الدول الكبرى في الكتلة، ألمانيا وإيطاليا ليستا بين الدول الأعضاء التي تعترف بها.

خطوة رمزية تحتاج إلى إجراءات لاحقة

على رغم الأهمية الرمزية للخطوة التي تشكل تحدياً لآلة الحرب الإسرائيلية وعلى رغم حال الاحتفاء والترحيب الدولي، لكن ثمة تساؤلات مشروعة حول جدوى تلك القرارات من الناحية العملية، وينقسم المراقبون الغربيون إزاء جدوى الخطوة، فبينما يعتبرها بعضهم مجرد فعل رمزي لن يسهم في تحقيق السلام أو الوصول إلى الهدف المنشود نحو "حل الدولتين"، أثنى بعضهم الآخر عليها كدفعة قوية ومساندة أخلاقية للشعب الفلسطيني.

وقانونياً، يستند الاعتراف بوجود دولة ما إلى أربعة معايير حددها اتفاق مونتيفيديو لعام 1933، وهي وجود سكان دائمين وإقليم محدد وقدرة على إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الأخرى وحكومة تنفيذية. وفي حالة فلسطين، يعد الاعتراف إلى حد كبير رمزياً، غير أن المؤكد أن الأمم المتحدة لن تتمكن من إقرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية بسبب احتمال أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض ضد الخطوة. وكما قال وزير الخارجية البريطاني آنذاك ديفيد لامي عند إعلان موقف المملكة المتحدة في وقت سابق هذا العام "لن يغير ذلك الوضع على الأرض".

زعيم حزب المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، رحب خلال مقالة في صحيفة "نيويورك تايمز" أمس بالاعتراف في ظل إنكار إسرائيل المستمر لعقود لحق الفلسطينيين في تقرير المصير وخطة توسيع المستوطنات التي، كما وصفها وزير مالية إسرائيل بتسلئيل سموتريتش أخيراً، "تدفن فكرة الدولة الفلسطينية"، فإنه أشار إلى أن هذا الاعتراف يظل في أفضل الأحوال رمزياً، وفي أسوأ الأحوال، إلهاء عن غياب أية خطوات فعلية لوقف الحرب الإسرائيلية في غزة والجوع والنزوح القسري لما يقارب مليوني فلسطيني يعيشون هناك. وأي اعتراف بدولة فلسطين يجب أن تصاحبه إجراءات ملموسة لمحاسبة إسرائيل على سياساتها غير القانونية والمدمرة.

ويرى البرغوثي أن مجرد الاعتراف بدولة فلسطينية وإصدار وثيقة تحوي توصيات لن يغير شيئاً من الواقع. ويدعو المجتمع الدولي إلى إجراءات فعلية نحو وقف الحرب الإسرائيلية في غزة والضغط على إسرائيل لإجبارها على تغيير سياساتها تجاه الفلسطينيين، بما في ذلك إلغاء القانون الذي ينص على أن حق تقرير المصير في فلسطين التاريخية يقتصر على الشعب اليهودي فقط، والاعتراف بدولة فلسطين. ولتحقيق هذه الأهداف، يدعو السياسي الفلسطيني المجتمع الدولي، خصوصاً الداعمين الغربيين لإسرائيل إلى فرض عقوبات اقتصادية وفرض حظر شامل على تسليحها، مما طالبت به منظمات حقوقية لأعوام بسبب المستوطنات وغيرها من انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي.

فيما يعتقد الزميل لدى مركز "كارنيغي أوروبا" بيير فيمون بأن الاعتراف النهائي بدولة فلسطينية "يجب أن يأتي بصورة طبيعية، كجزء من عملية سلام حقيقية، ومن الأفضل أن يكون بإجماع الدول. أما اليوم، وفي ظل صراع مفتوح، فإن الاعتراف لا يعدو كونه إشارة رمزية أكثر من كونه خطوة حاسمة".

ويذهب الزميل لدى "مركز السياسات الأوروبية" بول تايلور إلى وصف قرار الاعتراف بدولة فلسطين بأنه "رمزي وفارغ"، قائلاً إن "هناك 100 إجراء أكثر فائدة يمكن أن تقوم بها الدول لمساعدة الفلسطينيين في تحقيق دولتهم، بدلاً من هذا الإجراء الرمزي الفارغ المتمثل في الاعتراف بدولة غير موجودة والذي يرتبط أكثر بالسياسات الداخلية منه بزيادة فرص الفلسطينيين في الحصول على دولة". ويرى أن الإجراء الأكثر واقعية هو العمل مع الدول العربية والولايات المتحدة لوضع خطة لحوكمة غزة بعد الحرب. فيمكن للاتحاد الأوروبي أن يشارك في وجود دولي انتقالي لحفظ السلام ومراقبة الحدود. كذلك يمكنه تقديم التدريب للمسؤولين والإداريين والسياسيين الفلسطينيين في المستقبل. ويمكنه أيضاً الإسهام في إعادة تأهيل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

ويعرب السفير الفرنسي السابق لدى سوريا والزميل لدى معهد "مونتين ميشيل دوكلو" عن اعتقاده بأنه مع تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، فإن الاعتراف الرسمي بدولة فلسطينية سيكون بمثابة توبيخ وليس خطوة نحو السلام. ومع ذلك، يرى أن الاعتراف الدولي بالأراضي الفلسطينية قد "يشجع الدول العربية على تحديد شروطها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل".

واقع قانوني جديد

لكن آخرين يقولون إن هذا الاعتراف يسمح للدول بإبرام المعاهدات مع فلسطين، ويتيح الاعتراف برؤساء البعثات الفلسطينية رسمياً كسفراء كاملين. وبصورة عامة، ينظر إلى الاعتراف على أنه بمثابة بيان حول مستقبل فلسطين وانتقاد لرفض إسرائيل التفاوض في شأن إقامة دولة فلسطينية، وربما كان هذا هو المغزى الأساس من الحملة التي قادتها السعودية وفرنسا نحو الاعتراف الدولي بدولة فلسطين وهو تقديم دفعة قوية للمحادثات نحو "حل الدولتين".

ويؤكد آخرون أن اعتراف دول كبرى مثل فرنسا وبريطانيا رسمياً بالدولة الفلسطينية سيظل أمراً ذا قيمة حتى لو لم يتغير كثير على أرض الواقع. وأوضحت الأستاذة المشاركة في جامعة لندن والمتخصصة في سياسات الشرق الأوسط جولي نورمان خلال تصريحات إلى صحيفة "اندبندنت"، أن الأمر "سيكون بمثابة التزام أخلاقي وموقف قوي تجاه فلسطين في لحظة يعد فيها الوضع في غزة والضفة الغربية أكثر خطورة من أي وقت مضى". وأضافت أنه "على المدى القصير، يمثل الاعتراف موقفاً دبلوماسياً يفتح المجال أمام تغييرات في السياسات، أما على المدى الطويل، فإن عادت الأطراف لمناقشة الصراع، فسيساعد هذا الاعتراف في تعزيز موقع الفلسطينيين خلال المفاوضات. ومن ثم، قد لا ينعكس على الواقع بصورة فورية، لكنه يبقى خطوة ذات قيمة".

 

وأشارت نورمان إلى أن أثر الاعتراف قد يظهر بداية في لندن أكثر مما يظهر في رام الله، المدينة الواقعة في وسط الضفة الغربية، والعاصمة الإدارية لفلسطين، من خلال خطوات مثل افتتاح سفارة فلسطينية في بريطانيا، لكنها أوضحت أن هذا لا يعني الاعتراف بحركة "حماس".

وشرح القنصل البريطاني العام السابق لدى القدس، عضو مجلس أمناء مؤسسة "بريطانيا – فلسطين" الخيرية فنسنت فين أن الاعتراف بفلسطين كدولة سيعني اعتراف المملكة المتحدة رسمياً بجوازات السفر الفلسطينية، إذا ما جرى إصدارها، باعتبارها صادرة عن دولة.

الحل أبعد مما سبق

 ومع ذلك، هناك جانب ثالث غارق في نظرة متشائمة تعتبر أن بعد ما يقارب عامين من الحرب المدمرة في قطاع غزة، يرى الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء أن احتمال "حل الدولتين" يبدو أبعد من أي وقت مضى. فالعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة دمرت القطاع بالكامل، كما أصبحت المستوطنات الإسرائيلية أكثر ترسخاً في الضفة الغربية. ويشير أولئك إلى أن حركة "حماس" لا تزال تحظى بدعم أكبر بين الفلسطينيين مقارنة بالقيادة الفلسطينية الأكثر اعتدالاً في الضفة الغربية. وكثير من القادة الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، باتوا الآن يستبعدون إمكان السماح بالاستقلال الفلسطيني. وفي غياب أي حل آخر، فإن ذلك يعني بقاء إسرائيل حاكمة لملايين الفلسطينيين إلى أجل غير مسمى.

ووفق تصريحات سابقة لدبلوماسي فرنسي، فإنه في حين أن "حل الدولتين" ضروري أكثر من أي وقت مضى، "ولكنه قوّض أكثر من أي وقت مضى بسبب الحرب ونزوح الفلسطينيين وعنف المستوطنين المتطرفين".

وفي كتاب جديد بعنوان "غداً هو الأمس"، يصف مفاوضان مخضرمان هما روبرت مالي وحسين آغا، "حل الدولتين" بأنه "مشتت بلا معنى" و"مفهوم شكلي" استخدمه الدبلوماسيون لمدة 30 عاماً لتجنب إيجاد حلول حقيقية. ويقولان إنه من دون خطوات عملية لإجبار إسرائيل على المشاركة، "الاعتراف لن يغير حياة أي فلسطيني".

وتدعي إسرائيل والولايات المتحدة ومعهما المؤيدون في الصحافة الأميركية أن الاعتراف يعد مكافأة لهجمات "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023. كما تدعي إسرائيل أن قيادة السلطة الفلسطينية فاسدة بطبيعتها وقمعية، وأن الوعد بإجراء الانتخابات أُرجئ مراراً وتزعم أن ليس هناك شريك للسلام.

ويقول آخرون ممن ينتقدون قرارات الاعتراف الدولية بدولة فلسطين إن "حل الدولتين" أصبح مجرد "ستار دبلوماسي"، وبقايا من الماضي تعود لاتفاقات أوسلو عام 1993 التي اقترحت دولة فلسطينية على حدود 1967. ووفق صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، يجادل هؤلاء بأن المشاعر التي ترسخت بعد السابع من أكتوبر تعني أن الدعم لهذا المفهوم قد تلاشى على الجانبين.

شارك الخبر: