خاص-النقار
كان من شأن قرار الإطاحة بعبد الحافظ معجب من منصب رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، بعد أقل من شهر على تعيينه فيه، أن يُحدث حالة تضامن غير مسبوقة حتى داخل الجماعة نفسها، لكن الرجل لم يترك مجالا لأي تضامن معه. فلم يكد قرار التعيين يجف حبره حتى بادر الرجل إلى مهاجمة كل من ينتقد أداء سلطة صنعاء ويصبح ملكيا أكثر من الملك، حسب تعبير أحد الناشطين.
ومع ذلك لم يعدم معجب منشورات وتغريدات عبرت عن تضامنها واستيائها مما حدث له، وإن كان يشوبها الاستياء أكثر من موقفه نفسه الذي كان قد أبداه تجاه سلطة صنعاء تعبيرا عن خضوعه المطلق لها، والذي لخصه الناشط في جماعة أنصار الله رشيد البروي في منشوره مقتضب مفاده: "قالوا له ابتعد عن الشيخ سلطان السامعي، فلما ابتعد بعدووه.. فمن هو؟!".
البروي بطبيعة الحال لم يشأ لمنشوره أن يكون بمثابة لغز، ولا بمثابة سؤال يتطلب إجابة حول هوية ذلك الشخص. فالجميع يعرف أن المقصود هو عبد الحافظ معجب، الإعلامي في قناة الساحات المحسوبة على جماعة أنصار الله في بيروت، والتابعة للقيادي سلطان السامعي الذي تشهد علاقته بجماعة الأنصار توترا مطردا لا أحد يعرف بالضبط كيف سينتهي.
إنما بعيدا عن حالة التضامن مع معجب والاستياء من إقالته بتلك السرعة، يكشف ناشطو جماعة أنصار الله وآخرون محسوبون عليها أو مقربون منها عن بعض ما حدث مؤخرا في أروقة التعيينات وكواليس "التغيير الجذري" من معارك غير معلنة بين أجنحة السلطة والجماعة في آن واحد.
يكتب الناشط محمد ناجي الطاهري منشورا بهذا الخصوص قائلا: "الأخ عبدالحافظ معجب تم تعيينه قبل شهر بقرار من قبل وزير الإعلام الشهيد هاشم شرف الدين رئيسا للإذاعة والتلفزيون، مما أثار غضب الأخ نصر الدين عامر رئيس وكالة سبأ ونائب الهيئة الإعلامية لأنصار الله وتلك الجهات التي تقف خلف نصر الدين"، مشيرا إلى أنه "بعد مرور أسبوع من استشهاد شرف الدين تمت إقالة بن معجب وارجاع المسؤول السابق (عبد الرحمن الأهنومي)...".
ويستطرد الطاهري: "صحيح أن معجب كوميدي ساخر لكن بالطبع هناك مخاوف من أنه يحرق نصر الدين الذي تصدر الواجهة، لأن هذا فيلسوف أقوى منه وبدأ مؤخرا بالظهور والتحرك عمليا بشكل لافت، ولا يشتوا حد يشتطح زيادة...."، موضحا أن الجماعة "بايبرروا أن إبعاده لاعتبارات أمنية هامة جدا خشية خطر مستقبلي على الإذاعة والتلفزيون ومن هذه الخُبّيرات الخطيرة والساذجة، يطرحون أفكارا قوية ومقنعة لمواجهة كل ما يزعجهم ومن ينتقدهم".
منشور الطاهري جاء استطرادا لما جاء في منشور للإعلامي خالد العراسي استغرب فيه من عدم قيام الهيئة الإعلامية للجماعة والقنوات الرسمية ووكالة سبأ بإصدار نعي بحق الوزير هاشم شرف الدين، على الأقل بصفته وزيرا للإعلام تتبعه تلك الجهات، فضلا عن عدم حضور شخصيات كنصر الدين عامر رئيس الوكالة مراسم التشييع ولا مراسم العزاء، وأن كل ذاك يؤكد أن قرار هاشم شرف الدين بتعيين معجب بدلا عن الأهنومي كان محل اعتراض كبير من قبل جوقة الإعلام الرسمي لسلطة صنعاء والتي يأتي على رأسها نصر عامر.
وبالتالي لم يكد قبر هاشم شرف الدين يجف حتى جاء قرار إقالة معجب من رئاسة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون وإعادة الأهنومي إلى منصبه، وهو ما أشار إليه الناشط وشاعر الجماعة محمد الجرموزي بالقول إن تغيير عبدالحافظ معجب "تأكيد المؤكد لا غير"، فالجماعة "لن يقبلوا بشخص خارج عن الشلة مهما كان الأمر".
لم ينس الجرموزي في منشوره المستاء أن يعرج بقليل من السخرية على موقف عبد الحافظ معجب الذي كان قد أظهره فور تعيينه قائلا: "بس بيني وبينكم قد كان الأخ عبدالحافظ سرح سرحة جن، بعدما تم تعيينه وقع ملكي أكثر من الملك وأول سهامه صوبها نحونا معشر المنتقدين للفساد وأصبح يوعظنا ويقول لنا السكوت والصمت على الفساد بالداخل هو الحل"، مخاطبا إياه بالقول: "يا بن معجب لو جلست بنفس الوتيرة والتوجه الصادق في نقد الباطل والفساد بالداخل والخارج لعملوا لك ألف ألف حساب، ولكنك خلدت للمنصب وأصبحت مثل عمر بن سعد الذي خدعه بن زياد وأوهمه بملك الرّي...".
كما لم ينس أن يطالب "برد اعتبار الأخ عبدالحافظ معجب ولا يجوز أن تخالفوا توجيه الشهيد العظيم وزير الإعلام هاشم شرف الدين"، مختتما بالقول إنه "لمثل هذه المواقف المريبة اعتزلنا العاصمة وعُدنا لمسقط الرأس ورفضنا المساومة بمنصب حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا، وعز الخيول الصافنة في صبولها".
أما الإعلامي فارس أبو بارعة فرأى أنه لا بد من تسريب أمر لمتابعيه مفاده أن الوزير الشهييد هاشم شرف الدين كانت لديه رؤية للتغيير الجذري الشامل في الوزارة وتمت دراستها مع رئيس الوزراء الشهيد أحمد الرهوي وكان مدعوما من مدير مكتب رئاسة الوزراء ايضا الشهيد محمد الكبسي".
وأوضح أبو بارعة في منشو له أن رؤية التغيير الشاملة لوزير الإعلام "كانت ستشمل كل قطاعات ومؤسسات وقنوات وإذاعات وغيرها وكان لديه كشف شبابي كبير من الاعلاميين المميزين"، مشيرا إلى أن شرف الدين "كان ينوي أنه بعد المولد أما أن يتم التغيير الجذري الشامل أو يقدم استقالته من الحكومة، ولم يكن تكليف عبدالحافظ معجب لإدارة مؤسسة الاذاعة والتلفزيون هو الوحيد بل كانت هناك تكاليف أخرى تعرضت للصدام المباشر مع الدولة العميقة الخفية، حيث كلف ايضا حسن الوريث في وكالة سبأ وكلف معاذ الخميسي في مؤسسة الثورة، لكن راصع وابن عامر رفضوا الرضوخ والتسليم للتغيير الجذري بعكس الأهنومي الذي سلم مباشرة وغادر المؤسسة دون اعتراض".
واختتم منشوره بالقول إن "نصر عامر اشتغل شغل نظيف ضد الوزير وضد التغييرات ورفض التسليم وعاتب الاهنومي على القبول بمعجب وحصل ما حصل، وكان موعد التحدي بين الوزير والدولة العميقة بعد المولد النبوي الشريف لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن".